تشهد عدة مناطق من المغرب تساقطات مطرية أعادت الأمل إلى الفلاحين بعد سنوات من الجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج. غير أنّ هذا التحسّن المرحلي لا يُغيّر حقيقة أساسية: المغرب يواجه أزمة مائية عميقة تهدد استقرار قطاع يشغّل ملايين المواطنين ويؤثر مباشرة على الأسعار والأسواق.
أمطار تُنعش الموسم… لكنها لا تعالج أصل المشكلة
تأتي هذه الأمطار في وقت يتهيّأ فيه القطاع لانطلاق الموسم الفلاحي 2025-2026، وهو ما يسهّل:
-
انطلاق عمليات الحرث والبذر
-
تحسين ظروف نمو المزروعات المبكرة
-
تخفيف الضغط على المزارعين الذين واجهوا موسماً صعباً
لكن الخبراء يجمعون أن هذا التحسن مؤقت، لأن الموارد المائية الطبيعية أصبحت غير كافية لتأمين موسم فلاحي مستقر.
سنوات الجفاف أثّرت على التربة والإنتاجية
تسببت موجات الجفاف المتتالية في:
-
تدهور خصوبة التربة
-
نقص المادة العضوية
-
فقدان الرطوبة الضرورية لنمو المزروعات
-
توسع مناطق التصحر والتملح
-
انخفاض المردودية بنسبة كبيرة في مناطق الحبوب والماشية
هذا الوضع دفع الكثير من الفلاحين الصغار إلى تقليص نشاطهم أو التخلي عن أراضيهم، ما يخلق ضغوطاً اجتماعية واقتصادية في القرى.
الحل الاقتصادي: استثمار ضخم وسريع في الماء غير التقليدي
يدعو الخبراء إلى تسريع برامج إنتاج الماء البديل لتقليل تبعية الفلاحة للمطر، خصوصاً:
-
تحلية مياه البحر لتزويد السقي بالمناطق الساحلية
-
معالجة المياه العادمة واستعمالها في الري
-
توسيع شبكات السقي بالتنقيط مع مواكبة تقنية حقيقية
-
تحسين حكامة الماء والحد من الضياع في السدود والقنوات
فمستوى الأمطار يتراجع بشكل مستمر منذ 40 سنة، ولم تعد الدورة المطرية الطبيعية تغطي حاجيات الفلاحة.
التأمين الفلاحي… آلية اقتصادية لحماية الدخل
أطلقت وزارة الفلاحة برنامجاً وطنياً لتوسيع التأمين الفلاحي، خصوصاً لفائدة الفلاحين الصغار.
الهدف:
-
حماية المداخيل
-
تقليل خسائر الجفاف
-
الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي
-
ضمان استمرار الإنتاج في السنوات الصعبة
هذه الآلية أصبحت اليوم ضرورة اقتصادية وليست مجرد خيار.
المغرب: نقطة ساخنة مناخياً
الأرقام المناخية تؤكد أن المغرب من أكثر الدول تأثراً بالجفاف:
-
ارتفاع الحرارة بمعدل 0,2° كل عشر سنوات منذ الستينات
-
تسع سنوات من أصل عشر الأكثر حرارة خلال آخر 20 سنة
-
انخفاض المطر بنسبة 32% منذ 2019
-
اقتراب من عتبة الندرة المطلقة: 500 م³ للفرد في السنة
-
ارتفاع متوقع للحرارة بين 1,5° و7° بحلول 2080 حسب السيناريوهات
هذه المعطيات تجعل مستقبل الفلاحة مرتبطاً مباشرة بسرعة الإصلاحات الحكومية.
خلاصة اقتصادية: قطاع فلاحي يحتاج إعادة توجيه
لضمان الأمن الغذائي واستقرار الأسعار في السنوات المقبلة، يحتاج المغرب إلى:
-
نموذج فلاحي جديد أقل اعتماداً على المطر
-
استثمارات كبيرة في الماء غير التقليدي
-
دعم تقني أكبر للفلاحين الصغار
-
استعمال أوسع للتكنولوجيا والطاقات المتجددة
-
مراجعة تركيبة الزراعات حسب الموارد المتاحة
إن الأمطار الحالية إيجابية لكنها لا تغيّر الصورة الكبرى:
الأزمة المائية بنيوية، ومستقبل الفلاحة سيعتمد على الخيارات الاستراتيجية في إدارة الماء وليس على تقلبات السماء.



