الإثنين 25 دجنبر 2023
الجهة بوست – افتتاحية
كثيرا ما يتم الحديث عن جاذبية طنجة وقابليتها لاستقطاب الاستثمارات الاقتصادية، وهي حقيقة نافذة على أرض الواقع ولا يمكن إنكارها، بالنظر إلى أن المدينة تتمتع بموقع استراتيجي متميز مطل على البحر الأبيض المتوسط، وذات تاريخ حافل بتعاقب الحضارات المختلفة والمتعددة، بالإضافة إلى مؤهلات اقتصادية واستثمارية متنوعة.
فهي أي طنجة تتمتع بإمكانات هائلة لتكون محركا وقاطرة للتنمية الاقتصادية في المغرب، لا سيما في جهة طنجة تطوان الحسيمة.
لكن بالرغم من مكانة وأهمية مدينة طنجة، كقاطرة تنموية سواء على المستوى الجهوي والوطني، فإن هذا لا يجب أن يكون على حساب أحقية باقي أقاليم الجهة في نصيبها من التنمية المندمجة والشاملة، وذلك من خلال تجسيد الأثر الواقعي للسياسات العمومية في مجال التنمية الاقتصادي والاجتماعية في كافة مناطق الجهة.
حيث ان التحدي الراهن الذي ما زال يطرح نفسه بقوة هو عدم تجانس التنمية الاقتصادية في أقاليم جهة طنجة تطوان الحسيمة. ففي الوقت الذي تتمتع فيه طنجة باستثمارات ضخمة في مختلف القطاعات وتشهد حركية ملحوظة على هذا المستوى، فإن الأقاليم الأخرى الواقعة في تراب الجهة تعاني من نقص الاستثمارات، مما يؤدي إلى تعميق التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية بين أقاليم الجهة.
فاذا كانت طنجة، على سبيل المثال، تستقبل استثمارات تقدر بمليارات الدراهم سنويا، في قطاعات الصناعات التحويلية، والصناعة التقليدية، والسياحة، واللوجستيك، وغيرها من القطاعات، مما يمكن من خلق فرص عمل وفرص استثمارية مهمة واعدة لسكان المدينة، فإن اقاليم اخرى مثل شفشاون، ووزان، والعرائش، تظل قابليتها لاستقطاب الاستثمارات محدودة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وضعف المستوى المعيشي للسكان.
التفاوت في مجال استقطاب الاستثمارات، ليس التحدي الوحيد المطروح على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة، وإنما هو أحد مظاهر الفوارق الحاصلة في هذا الجانب، فما تزال العديد من المناطق والقرى تفتقر إلى بنيات الاتصال والتجهيزات الأساسية والبنيات الاجتماعية والتكوينية.
وهذا التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين أقاليم جهة طنجة تطوان الحسيمة، يشكل تحديا كبيرا أمام تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في كافة عمالتي وأقاليم الجهة.
فعدم تحقيق التنمية الاقتصادية المتوازنة في جميع أقاليم الجهة، من شأنه أن يفرز مجموعة من الآثار الاجتماعية والاقتصادية، خاصة فيما يخص ارتفاع معدلات البطالة والفقر في الأقاليم الأخرى، مما يؤدي إلى تدهور المستوى المعيشي للسكان، وزيادة الهجرة القروية إلى المدن.
كما أن ضعف التكامل الاقتصادي بين أقاليم الجهة، يؤدي إلى إهدار الفرص الاستثمارية، وضعف القدرة التنافسية للجهة على المستوى الوطني والدولي.
إن استحضار مبدأ العدالة المجالية التي تجد أساسها في دستور المملكة الذي كرس قيم العدل والإنصاف والكرامة الإنسانية وتكافؤ الفرص، لا يجب أن يظل رهين الخطابات والشعارات، وإنما يجب أن يترجم إلى سياسات وإجراءات هادفة، تروم تحقيق المساواة في الفرص والاستفادة من الموارد بين مختلف المناطق، وذلك من خلال وضع برامج ومشاريع طموحة، تركز على تنمية المناطق المهمشة والأقل حظا، وتحسين ظروف العيش فيها، وتوفير فرص العمل والتنمية للسكان.
كما يجب أن يرتكز استحضار مبدأ العدالة المجالية على إشراك جميع المتدخلين، من حكومة وقطاع خاص ومؤسسات المجتمع المدني، في الجهود الرامية إلى تحقيقه.
هذا؛ ومن المهم الإشارة إلى أن هناك جهود كبيرة يبذلها مختلف المتدخلين على المستوى الحكومي والجماعات الترابية وباقي الفاعلين المؤسساتيين لتنزيل برامج فك العزلة وتحسين جاذبية التراب وتأهيل العنصر البشري في مختلف الأقاليم بالجعة التي تتوفر على مؤهلات كبيرة وأرضية استثمارية واعدة.
ففي إطار تنزيل برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تم إطلاق العديد من المشاريع في مختلف الأقاليم، من قبيل مشاريع فك العزلة الطرقية، ومشاريع التنمية القروية، ومشاريع تأهيل العنصر البشري.
كما تم إطلاق العديد من المشاريع الاستثمارية في مختلف الأقاليم، من قبيل مشاريع الصناعات التحويلية، ومشاريع السياحة، ومشاريع الطاقات المتجددة.
وهذه الجهود أسهمت من دون شك في تحسين ظروف العيش في مختلف الأقاليم، وخلق فرص عمل جديدة، وجذب الاستثمارات.
ورغم أهمية هذه الجهود، لا تزال هناك حاجة ملحة ومؤكدة إلى المزيد من الجهود من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية المتوازنة في جميع أقاليم جهة طنجة تطوان الحسيمة، وذلك من خلال مواصلة تنفيذ البرامج والمشاريع الاستثمارية، وتعزيز التعاون بين مختلف المتدخلين، وتحسين مناخ الأعمال في الأقاليم.
فتحقيق التنمية الاقتصادية المتوازنة في جميع أقاليم الجهة، هو مسؤولية مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني. وتحقيق هذه التنمية سيسهم في تحسين المستوى المعيشي للسكان في كافة عمالتي وأقاليم الجهة، وتعزيز مكانة الجهة كوجهة استثمارية واعدة تتطلع إلى أفق أفضل وأحسن.