يسجّل الميزان التجاري للمغرب منحى مقلقاً خلال سنة 2025، بعدما اتسع العجز إلى 296 مليار درهم مع متم أكتوبر، مقابل 248 مليار درهم قبل عام. هذا الارتفاع القوي، البالغ 19,64%، يؤكد استمرار الضغوط على الحسابات الخارجية رغم تحسن بعض المؤشرات القطاعية.

وتوضح المعطيات الأخيرة الصادرة عن مكتب الصرف أن اتساع الفجوة بين الواردات والصادرات لم يعد ظرفياً، بل يعكس اختلالاً هيكلياً يتطلب مقاربات أكثر جرأة على مستوى السياسات الصناعية واللوجستية والطاقية.

واردات في منحى صعودي… واستمرار الضغط على الطلب الخارجي

قفزت الواردات إلى 682,2 مليار درهم مقابل 623,6 مليار درهم قبل سنة، بزيادة فاقت 58 مليار درهم (+9,4%). وتستأثر منتجات التجهيز بالقسط الأكبر من هذا الارتفاع، بعدما زادت مشترياتها بـ 21,4 مليار درهم (+15,2%)، مدفوعة بتوسع عمليات اقتناء الطائرات وقطع الغيار والمعدات المرتبطة بالصناعات الجوية.

كما واصلت المنتجات النهائية للاستهلاك مسارها الصعودي (+12,7%)، بفعل الطفرة المسجلة في واردات سيارات السياحة (+37,2%)، وارتفاع واردات الأدوية (+21%)، إلى جانب زيادة ملحوظة في الأثاث ومعدات الإضاءة.

وعلى الرغم من تراجع الفاتورة الطاقية بنسبة 4,4%، مستفيدة من هبوط أسعار الغازوال والفيول بـ 16%، فإن حجم الكميات المستوردة ارتفع بـ 8,1%، مما يُبرز استمرار حاجة السوق الوطنية إلى الطاقة في ظل تحولات الطلب الصناعي.

الصادرات… أداء إيجابي محدود وزخم يعتمد على الفوسفاط والطيران

في المقابل، لم تتجاوز وتيرة نمو الصادرات 2,6% لتبلغ 385,2 مليار درهم، وهو نمو يبقى دون طموحات الاقتصاد الوطني، رغم تحسن صادرات الفوسفاط ومشتقاته والصناعات الجوية.

الفوسفاط يمنح دفعة قوية

سجل القطاع نمواً لافتاً بـ 16,7% (+11,5 مليار درهم)، موزّعة بين:

• الأسمدة: +7,9 مليار درهم

• الفوسفاط الخام: +2,1 مليار درهم

• الحمض الفوسفوري: +1,5 مليار درهم

الصناعات الجوية تواصل ترسيخ تنافسيتها

بنمو قدره 8,3% (+1,8 مليار درهم)، بفضل ارتفاع صادرات التجميع والأنظمة الكهربائية (EWIS).

تراجعات في قطاعات حيوية: السيارات والنسـيج تحت الضغط

في المقابل، تواصل قطاعات صناعية رئيسية فقدان جزء من زخمها التصديري:

• النسيج والجلد: انخفاض بـ 3,9%، نتيجة تراجع صادرات الملابس الجاهزة ومنتجات التريكو.

• السيارات: تراجع بـ 3,1% (-4,1 مليار درهم)، بعد هبوط حاد في صادرات قطاع التركيب (-8,7 مليار درهم)، رغم تحسن صادرات الأسلاك والأجزاء الداخلية.

هذه التراجعات تعكس تباطؤ الطلب الأوروبي وتراجع تنافسية بعض الشرائح الإنتاجية، إلى جانب تشديد قواعد المنشأ واشتداد المنافسة الآسيوية.

شهر واحد… وارتفاع بـ 36 مليار درهم

بين شتنبر وأكتوبر فقط، اتسع العجز التجاري بـ 36 مليار درهم، ليقفز من 260 مليار درهم إلى 296 ملياراً. هذا الارتفاع السريع يسلط الضوء على هشاشة الميزان التجاري ويطرح علامات استفهام حول قدرة الاقتصاد الوطني على امتصاص الصدمات الخارجية، خاصة في ظل تباطؤ بعض القطاعات الصناعية التصديرية.

قراءة اقتصادية: أي طريق لتقليص العجز؟

تؤكد هذه التطورات ضرورة إعادة تقييم النموذج التصديري للمغرب، عبر:

• تسريع الانتقال نحو صناعات ذات قيمة مضافة أعلى

• تعزيز مقومات الاستبدال الصناعي للواردات

• تطوير سلاسل لوجستية أكثر تنافسية

• تخفيف الواردات ذات الطابع الاستهلاكي

• دعم الاستثمارات التكنولوجية والطاقة النظيفة لخفض التبعية الطاقية

فالعجز التجاري لم يعد مجرد مؤشر مالي، بل أصبح مرآة تعكس قدرات الاقتصاد الوطني على المنافسة، والإنتاج، والتموقع في سلاسل القيمة العالمية.