طنجة، 28 يونيو 2025 – شهدت مدينة طنجة انعقاد النسخة الثالثة من مؤتمر RSE NOW، الذي نظمه نادي القادة (Club des Dirigeants) بشراكة مع وزارتي الانتقال الطاقي والتجهيز والماء، بمشاركة واسعة من خبراء الاقتصاد وممثلي الشركات والمؤسسات الوطنية والدولية. وقد شكل هذا الحدث محطة بارزة لتعزيز موقع المسؤولية الاجتماعية للشركات (RSE) كرافعة مركزية للأداء الاقتصادي والتنافسية.
RSE: من خيار أخلاقي إلى ضرورة اقتصادية
أكد المشاركون في المؤتمر أن تجاهل البعد البيئي والاجتماعي لم يعد مجرد مخاطرة، بل أصبح بمثابة عائق أمام التمويل، وجذب المواهب، والحفاظ على الأسواق. حيث أوضحت راضية شيخ لحلو، مستشارة في مجال RSE، أن “المقاولة لم تعد مجرد منتج للأرباح، بل أصبحت فاعلًا ملتزمًا تجاه محيطها الداخلي والخارجي”.
ويعكس هذا التحول نهاية نموذج “رأسمالية المساهمين” وبداية عهد جديد لـ”رأسمالية الأطراف المعنية”، حيث يتحول الأداء الاجتماعي والبيئي إلى معيار أساسي في قرارات المستثمرين والشركاء الدوليين.
المغرب ومواجهة تحديات التحول الطاقي
تزامن المؤتمر مع تصاعد الضغط الأوروبي على الشركاء التجاريين في الجنوب، مع اقتراب تنفيذ آلية ضريبة الكربون الأوروبية (CBAM) سنة 2027، والتي ستشمل صادرات مغربية رئيسية كالفولاذ، والأسمدة، وربما لاحقًا النسيج والمنتجات الغذائية.
وفي هذا السياق، اعتبر الخبير هشام بوزكري أن خفض الانبعاثات الكربونية لم يعد مسؤولية الدولة وحدها، بل أصبح التزامًا يجب أن تتبناه الشركات الصناعية، خصوصًا في ظل اعتماد المغرب بشكل كبير على الفحم لتوليد الكهرباء، ما يرفع من كثافة الكربون في المنتجات المغربية ويؤثر على تنافسيتها في الأسواق الأوروبية.
الفرصة في الطاقة الشمسية: كلفة أقل وتنافسية أعلى
طرحت عدة مداخلات حلولًا بديلة لدعم المسار نحو الحياد الكربوني، من بينها الاعتماد على الإنتاج الذاتي للطاقة الشمسية، خاصة في المناطق الصناعية مثل طنجة والدار البيضاء. حيث أشار المتدخلون إلى أن كلفة الكيلواط/ساعة من الكهرباء الشمسية لا تتعدى 0.35 درهم، أي أقل بكثير من كلفة الكهرباء التقليدية، وهو ما يمنح المقاولات ميزة تنافسية مزدوجة: اقتصاد في الفاتورة الطاقية وتقليص البصمة الكربونية.
واقع متواضع وتطلعات طموحة
رغم الجهود المبذولة، لا تزال نسبة المقاولات المنخرطة فعليًا في مسارات RSE ضعيفة. فحسب معطيات الاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM)، لم يتجاوز عدد الشركات الحاصلة على العلامة RSE منذ 2007 سوى 124 شركة، وهو رقم ضئيل مقارنة بـأكثر من 95 ألف شركة تم إحصاؤها بالمغرب سنة 2024.
نحو ميثاق وطني للمسؤولية الاجتماعية
في ختام المؤتمر، أعلن نادي القادة عن عزمه إطلاق ميثاق وطني لـRSE، هدفه توحيد الرؤية وتوجيه التزام المقاولات المغربية نحو الاستدامة، انسجامًا مع التوجهات الكبرى للنموذج التنموي الجديد وخارطة الطريق المناخية.
يمثل مؤتمر RSE NOW 2025 دعوة واضحة للمقاولات المغربية لمغادرة منطق “الامتثال الاختياري” والانخراط في دينامية اقتصادية جديدة تقوم على الاستدامة، الشفافية، والابتكار الأخضر. وفي ظل التحديات المناخية والتحولات الجيو-اقتصادية، أصبحت المسؤولية الاجتماعية ركيزة لا محيد عنها في معادل نمو والتنافسية.