يسير قطاع التأمين في المغرب بخطى تصاعدية، مؤكداً مكانته كأحد الركائز الأساسية للنظام المالي الوطني، وذلك في سياق يتسم بانتعاش نسبي للأنشطة الاقتصادية واستمرار الورش الإصلاحي الذي تستعد له السلطات التنظيمية. فقد سجل السوق خلال الربع الثالث من السنة ارتفاعاً ملحوظاً في رقم المعاملات، بلغ حوالي 13,2 مليار درهم، أي بنمو يقدر بـ 6,5% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفق أحدث البيانات الصادرة عن المهنيين.
دينامية إيجابية تعكس صمود السوق
يعكس هذا الأداء قدرة شركات التأمين على المحافظة على وتيرة نمو مستقرة رغم الضغوط المرتبطة بتقلبات الأسواق المالية وارتفاع كلفة المخاطر. ويبدو أن المنتجات المرتبطة بالتأمين على الحياة والتأمينات العامة تواصل جذب شريحة واسعة من الأسر والمقاولات، مدعومة بتطور الطلب على الحماية المالية والضمانات طويلة الأمد.
كما تستفيد شركات التأمين من تحسن القاعدة الزبونية واتساع نطاق الأنشطة المؤمنة، خاصة في ما يتعلق بالتأمين الصحي الإجباري، التأمينات المهنية، وتأمينات النقل والخدمات اللوجستية التي تعرف نمواً بفعل الدينامية الاستثمارية في البنيات التحتية.
ورش إصلاحي في الأفق لتعزيز حكامة القطاع
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، فإن القطاع يترقب إطلاق حزمة من الإصلاحات الهيكلية التي ستعيد رسم خارطة التأمين بالمغرب. وتشمل هذه الإصلاحات المنتظرة:
-
مراجعة الإطار القانوني والتنظيمي بما يضمن حماية أكبر للمؤمَّنين وشفافية المعاملات.
-
تعزيز الرقمنة داخل الشركات وتحسين أنظمة تدبير المخاطر.
-
هيكلة جديدة لبعض الفروع خاصة التأمينات الإجبارية والتأمينات طويلة الأمد.
-
تقوية ملاءة القطاع لمواجهة تزايد الكوارث الطبيعية والمخاطر المناخية والتقلبات المالية.
وتأتي هذه الخطوة في سياق اهتمام متزايد من السلطات المالية بتطوير منظومة التأمين لتكون أكثر قدرة على مواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب.
تحديات قائمة رغم النمو
ورغم تحقيق نمو مستمر، يظل القطاع أمام مجموعة من التحديات، أبرزها:
-
ارتفاع كلفة التعويضات في بعض الفروع، خصوصاً التأمين الصحي وتأمين السيارات.
-
الحاجة إلى توسيع قاعدة المؤمَّنين، إذ لا يزال معدل اختراق التأمين أقل من مستوى الطموحات.
-
ضرورة ملاءمة المنتجات مع التحولات الجديدة، مثل مخاطر التغير المناخي، اللوجستيك، والتجارة الدولية.
-
تطور متطلبات إعادة التأمين على المستوى الدولي، ما قد يرفع كلفة التغطيات مستقبلاً.
قطاع استراتيجي ضمن دينامية الاقتصاد الوطني
ويظل قطاع التأمين أحد أهم القطاعات المالية في المغرب، مساهماً رئيسياً في تعبئة الادخار الوطني، وتمويل الاستثمارات، وحماية الفاعلين الاقتصاديين. ومع استمرار ديناميته الحالية، وانتظار تنزيل الإصلاحات الجديدة، يبدو أن السوق يتجه نحو مرحلة أكثر نضجاً وتنافسية، مع فرص كبيرة لتطوير منتجات مبتكرة تتلاءم مع حاجيات الأسر والمقاولات.



