يُعدّ سوق الأدوية أحد أكثر القطاعات حساسية في الاقتصاد الوطني، بالنظر إلى ارتباطه المباشر بالأمن الصحي، وبحجم الاستثمارات والصناعات التي يستقطبها، إضافة إلى كونه حلقة أساسية في تكلفة العلاج وخدمات التغطية الصحية.
وفي السنوات الأخيرة، عرف القطاع تحولات مهمة نتيجة ارتفاع الطلب، وتوسع التغطية الصحية الإجبارية، وعودة النقاش حول هوامش الربح، والقدرة التنافسية للصناعة الدوائية المحلية.
هذه الظرفية تجعل أي تأخير في الإصلاح أو أي غموض في الإستراتيجية محفوفاً بتداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة.
برلمانيون يواجهون الوزير بأسئلة دقيقة
خلال جلسة النقاش، وجّه النواب انتقادات حادّة للوزير طهراوي بسبب ما اعتبروه نقصاً في المعطيات الدقيقة حول مسار إصلاح المنظومة الدوائية.
وقد ركزت مداخلاتهم على عدة محاور اقتصادية أبرزها:
1. أسعار الأدوية وهيكلة الهوامش
طالب النواب بتوضيحات حول المعادلة التي يتم اعتمادها لتحديد الأسعار، ودور الفاعلين في تحديد هامش الربح، ومدى تأثير ذلك على القدرة الشرائية للمواطنين وميزانيات صناديق التأمين الصحي.
2. تأخر الترخيص للأدوية الجديدة
اعتبر أعضاء اللجنة أن بطء مسطرة المصادقة يعيق دخول أدوية مبتكرة إلى السوق، ما يحرم الصناعات المحلية من فرص استثمار، ويُبقي المغرب في وضعية تبعية للاستيراد.
3. صناعة الأدوية المحلية
تمت الإشارة إلى ضرورة تحفيز الاستثمار في التصنيع المحلي، سواء عبر الدعم المباشر أو من خلال تحيين مدونة الأدوية، بهدف تعزيز الأمن الصحي وتقليص فاتورة الواردات.
4. الشفافية وحكامة القطاع
شدد النواب على أهمية نشر البيانات المرتبطة بالأسعار، والاتفاقيات، وإصدار تقارير دورية حول الرقابة، معتبرين أن الوضوح ضروري لإعادة بناء ثقة المواطنين والمستثمرين.
الوزير بين الضغوط السياسية ومتطلبات الإصلاح الاقتصادي
وجد الوزير نفسه أمام أسئلة محرجة تتطلب إجابات دقيقة وأرقاماً واضحة، في وقت تعيش فيه البلاد دينامية إصلاحية شاملة للقطاع الصحي.
ويرى العديد من المتابعين أن هذا الاستجواب يعكس:
-
ارتفاع الانتظارات المجتمعية بعد تعميم التغطية الصحية؛
-
ضغط الفاعلين الصناعيين الراغبين في بيئة قانونية مستقرة؛
-
حاجة الدولة إلى ضبط الإنفاق الصحي وضمان استدامة صناديق التأمين.
كما يظهر أن ملف الأدوية أصبح يشكل ورشة اقتصادية بقدر ما هو ورشة صحية، نظراً لارتباطه بسلاسل الإنتاج والتوزيع، وبالاستثمار، وبالتنافسية الصناعية.
خلاصات وتوقعات
لم ينجح الوزير طهراوي في تفادي الانتقادات البرلمانية، غير أن النقاش الذي أثير يُمكن أن يشكل نقطة تحول إذا ما تُرجم إلى إجراءات عملية، من قبيل:
-
تسريع مسطرة الترخيص؛
-
مراجعة نظام تسعير الأدوية؛
-
دعم التصنيع المحلي؛
-
تعزيز الرقابة والشفافية؛
-
اعتماد نموذج اقتصادي جديد للمنظومة الدوائية يقوم على خلق القيمة بدل فقط ضبط الأسعار.
ويرى خبراء اقتصاد الصحة أن أي إصلاح حقيقي يجب أن يوازن بين حماية القدرة الشرائية للمواطن و تحفيز الاستثمار الصناعي وإعطاء المغرب مكانة تنافسية في سلاسل القيمة الدوائية الدولية.



